سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


هذا إخبار من الله تعالى عن استكبارهم وطغيانهم بعد ما نالهم من الجوع، هذا قول روي عن ابن عباس وابن جريج أن العذاب هو الجوع والجدب المشهور نزوله بهم حتى أكلوا الجلود وما جرى مجراها والباب والمتوعد به يوم بدر، وهذا القول يرده أن الجدب الذي نالهم إنما كان بعد وقعة بدر وروي أنهم لما بلغهم الجهد جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألست تزعم يا محمد أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال بلى قال قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع وقد أكلنا العهن فنزلت الآية، و{استكانوا} معناه انخفضوا وتواضعوا، ويحتمل أن يكون من السكون ويلزمه أن يكون استكنوا ووجهه أن فتحة الكاف مطلت فتولدت منه الألف ويعطي التصريف أنه من كان وأن وزنه استفعل وعلى الأول وزنه افتعل وكونه من كان أبين والمعنى فما طلبوا أن يكونوا لربهم أي طاعة وعبيد خير، وروي عن الحسن رضي الله عنه أنه قال: إذا أصاب الناس من قتل السلطان بلاء فإنما هي نقمة فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية ولكن استقبلوها بالاستغفار واستكينوا وتضرعوا إلى الله وقرأ هذه الآية {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} والعذاب الشديد، إما يوم بدر بالسيوف كما قال بعضهم وإما توعد بعذاب غير معين وهو الصواب لما ذكرناه من تقدم بدر للمجاعة، وروي عن مجاهد أن العذاب والباب الشديد هو كله مجاعة قريش.
قال القاضي أبو محمد: وهذا حسن كأن الأخذ كان في صدر الأمر ثم فتح الباب عند تناهيه حيث أبلسوا وجاء أبو سفيان، والملبس: الذي قد نزل به شر ويئس من زواله ونسخه خير.


ابتدأ تعالى بتعديد نعم في نفس تعديدها استدلال بها على عظيم قدرته وأنها لا يعزب عنها أمر البعث ولا يعظم و{أنشأ} بمعنى اخترع و{السمع} مصدر فلذلك وحد وقيل أراد الجنس، و{الأفئدة} القلوب وهذه إشارة إلى النطق والعقل وقوله {قليلاً} نعت لمصدر محذوف تقديره شكراً قليلاً ما تشكرون وذهبت فرقة إلى أنه أراد {قليلاً} منكم من يشكر أي يؤمن ويشكر حق الشكر.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأول أظهر وَذرأ معناه بث وخلق، وقوله {وإليه} فيه حذف مضاف أي إلى حكمه وقضائه، و{تحشرون} يريد البعث، وقوله {وله اختلاف الليل والنهار} أي له القدرة التي عنها ذلك، والاختلاف هنا التعاقب، والكون خلفة، ويحتمل أن يكون الذي هو المغايرة البينة، وقوله {بل} إضراب والجحد مقدر كأنه قال ليس لهم نظر في هذه الآيات أو نحو هذا، و{الأولون} يشير به إلى الأمم الكافرة كعاد وثمود، وقوله {لمبعوثون} أي لمعادون أحياء وقولهم {وآباؤنا} أي حكى المقالة عن العرب فمرادهم من سلف من العالم جعلوهم آباء من حيث النوع واحد وإن حكى ذلك عن الأولين فالأمر مستقيم فيهم، والأساطير قيل هي جمع أسطورة كأعجوبة وأعاجيب وأحدوثة وأحاديث وقيل هي جمع سطر وأسطار وأساطير.


أمر الله تعالى نبيه بتوقيفهم على هذه الأشياء التي لا يمكنهم إلا الإقرار بها ويلزم من الإقرار بها أن يؤمنوا بباريها ويذعنوا لشرعه ورسالة رسوله، وقرأ الجميع في الأول {لله} بلا خلاف وفي الثاني والثالث، فقرأ أبو عمرو وحده {لله} جواباً على اللفظ، وقرأ باقي السبعة، {لله} جواباً على المعنى كأنه قال في السؤال لمن ملك {السموات السبع} إذ قولك لمن هذه الدار؟ وقولك من مالك هذه الدار؟ واحد في المعنى ثم جعل التوبيخ مدرجاً بحسب وضوح الحجة شيئاً فشيئاً فوقف على الأرض ومن فيها وجعل بإزاء ذلك التذكر، ثم وقف على {السموات السبع}، و{العرش}، وجعل بإزاء ذلك التقية وهي أبلغ من التذكر وهذا بحسب وضوح الحجة، وفي قوله تعالى: {أفلا تتقون} وعيد، ثم وقف على {ملكوت كل شيء} وفي الإقرار بهذا التزام كل ما تقع به الغلبة في الاحتجاج، فوقع التوبيخ بعد في غاية البلاغة بقوله {فأنى تسحرون} ومعنى {أنى} كيف ومن أين، وفي هذا تقرير سحرهم وهو سؤال عن الهيئة التي سحروا بها، والسحر هنا مستعار لهم وهو تشبيه لما وقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك، وقالت فرقة {تسحرون} معناه تمنعون، وحكى بعضهم ذلك لغة، وقرأ ابن محيصن {العظيمُ} برفع الميم {ملكوت} مصدر في بناء مبالغة والإجارة المنع من الإنسان والمعنى أن الله إذا منع احداً فلا يقدر عليه، وإذا أراد أحداً فلا مانع له، وكذلك في سائر قدرته وما نفذ من قضائه لا يعارض ذلك الشيء ولا يحيله عن مجراه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10